[center]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=DarkOrchid]جرت عادة الناس على اللقاء في المجامع
والمنتديات للنقاش حول شؤون الحياة ومجرياتها واستعراض ما يُثار من
القضايا والأخبار ، ويحلو السمر ويطيب اللقاء بذكر القصص والطرائف
والذكريات .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
والإسلام يعلم حاجة الناس إلى مثل هذه اللقاءات ولا يمنع منها ، لكنّه
يسعى من خلال تعاليمه ومبادئه إلى الرقيّ بها ، وتصحيح مسارها ، وتنظيم
شؤونها ، وتخليصها من مساوئ الأخلاق ورذائل الأفعال ، حتى تكون أنموذجاً
تسود فيه ألوان القيم والفضائل.[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=RoyalBlue]وإذا كان الناس يتفاوتون في طبائعهم وأخلاقهم
وإيمانهم ضعفاً وقوّة ، فقد جاء التوجيه النبوي باختيار الأفاضل من الناس
، من العلماء والصالحين وذوي المروءة ، ففي مجالسة أمثال هؤلاء حياة
للقلوب وتنوير للعقول وتهذيبٌ للأرواح ، ويضرب لنا رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – مثلاً للجليس الصالح وجليس السوء في قوله : ( مثل الجليس
الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك : إما أن يحذيك
وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق
ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثا ) متفق عليه . [/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
وحرصاً على البعد عن معاني اللهو والغفلة جاءت النصوص الشرعيّة لتحذّر من
المجالس التي تخلو من ذكر الله ، ونلمس هذا في قول النبي – صلى الله عليه
وسلم - : ( ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه الا رأوه حسرة يوم
القيامة ) رواه أحمد ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما اجتمع قوم
فتفرقوا عن غير ذكر الله ، إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار ، وكان ذلك
المجلس عليهم حسرة ) رواه أحمد .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=Sienna]وخير المجالس هي التي تكون قائمةً على ذكر الله
وتلاوة القرآن ، وكفى بهذه المجالس فضلاً أن يُذكر أصحابها في الملأ
الأعلى كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن لله تبارك وتعالى
ملائكة سيّارة يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم
، وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم ، حتى يملؤا ما بينهم وبين السماء الدنيا ،
فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ، فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم
: من أين جئتم ؟ ، فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض ، يسبّحونك
ويكبّرونك ، ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك ، قال : وماذا يسألوني ؟ ، قالوا
: يسألونك جنتك ، قال : وهل رأوا جنّتي ؟ ، قالوا : لا أي رب ، قال : فكيف
لو رأوا جنّتي ؟ ، قالوا : ويستجيرونك ، قال : ومم يستجيرونني ؟ ، قالوا :
من نارك يا رب ، قال : وهل رأوا ناري ؟ ، قالوا : لا ، قال : فكيف لو رأوا
ناري ؟ ، قالوا : ويستغفرونك ، فيقول : قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا ،
وأجرتهم مما استجاروا ، فيقولون : رب فيهم فلان ، عبد خطّاء ، إنما مرّ
فجلس معهم ، فيقول : وله غفرت ؛ هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) رواه مسلم .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=RoyalBlue]وليس معنى ذلك النهي عن مجالس الأنس المباح
وأحاديث الدنيا على العموم ، فإن النفس لا غنى لها عما يسلّيها ويعيد لها
نشاطها ، ومواعظ النبي – صلى الله عليه وسلم – لم تكن على الدوام بل كانت
بين الحين والآخر خشية السآمة والملل ، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن
يمتنع عن مجالسة أصحابه حينما كانوا يتذاكرون أمور الجاهليّة ، ويمزحون في
أوقات راحتهم ، فإذا كان وقت الجدّ رأيت الرجولة والهمّة والنشاط ،
والعبادة والذكر والطاعة ، يقول بكر بن عبد الله رضي الله عنه : " كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ – أي يترامون به - ،
فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال " رواه البخاري في الأدب المفرد .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
والمقصود هو الابتعاد عن مقارفة الآثام والمعاصي كالاستماع إلى الغناء
المحرّم ، أو النيل من أعراض الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية
والاستهزاء ، وغيرها من الأخلاق الذميمة التي جاء الوعيد الشديد عليها ،
فإذا طهّرت المجالس من تلك الآفات فقد تحقّق مراد الشارع .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=Sienna]ولأن مجالس الناس لا تخلو - عادة - من الغفلة أو
وقوع الزلّة ، شرع النبي – صلى الله عليه وسلم – كفّارة المجلس حيث قال :
( من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك
اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له
ما كان في مجلسه ذلك ) رواه الترمذي ولنا في نبيّنا عليه الصلاة والسلام
أسوةٌ حسنة فقد كان يستغفر الله تعالى في المجلس الواحد أكثر من مائة مرّة
.[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
ومن الأدعية المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله في ختام
مجالسه : ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن
طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ،
ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ،
واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في
ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من
لا يرحمنا ) رواه الترمذي .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=DarkOrchid]وقد وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – جملةً من
الآداب التي ينبغي مراعاتها في المجالس ، منها الإفساح للقادمين وتوسيع
المكان لهم ، وهو أدبٌ قرآني رفيع كما في قوله تعالى : {يا أيها الذين
آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل
انشزوا فانشزوا } ( المجادلة : 12) ، وخير المجالس أوسعها كما جاء في
الحديث الصحيح .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=RoyalBlue]ومن محاسن الآداب التي جاء الأمر بها : السلام
عند القدوم وعند الذهاب ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا
انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، ثم إذا قام
فليسلم ؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه الترمذي ، وكذلك الجلوس حيث
ينتهي المجلس ، وهكذا كان حال الصحابة في مجالس النبي – صلى الله عليه
وسلم – كما روى ذلك أبو داود في سننه .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
وقد أرشد الهدي النبوي بخصوص آداب المجلس إلى أن من قام من مجلسه فهو أحق
بالعودة إليه ، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم – : ( إذا قام أحدكم من
مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ) رواه مسلم .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=Sienna]وليس في الجلوس على الطرقات مانعٌ إذا تمّت مراعاة
حقوق الطريق ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال : ( إياكم والجلوس بالطرقات ) فقالوا : يا رسول الله ، ما لنا
من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها ، فقال : ( فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا
الطريق حقه ) ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ ، قال : ( غض البصر
، وكفّ الأذى ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) متفق
عليه .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=RoyalBlue]وهناك عدد من الأمور التي جاء النهي عنها مما
يكون في مجالس الناس ، كالنهي عن إقامة الرجل من مجلسه ليجلس فيه آخر ،
وذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – (
نهى أن ُيقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ) متفق عليه ، كذلك النهي عن
التفريق بين الجالِسيْن في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحل للرجل
أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ) رواه الترمذي ، والنهي عن الجلوس بين
الظل والشمس في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - نهى أن يقعد بين الظل والشمس رواه الحاكم .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
ومما جاء في آداب المجالس – علاوة على ما تقدّم – النهي عن تبادل الجالسين
الحديث سرّاً دون أحدهم إلا بإذنه ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ؛ فإن ذلك يحزنه
) متفق عليه واللفظ لمسلم .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=DarkOrchid]وحفاظاً على خصوصيّات الناس جاء النهي عن
الاستماع إلى الآخرين من غير إذنهم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له
كارهون أو يفرّون منه ، صُبّ في أذنه الآنك يوم القيامة ) رواه البخاري ،
والآنك هو الرصاص المذاب ، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قول النبي
- صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما )
رواه ابن عساكر .[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
وللمرء أن يجلس على الوضعية التي يرتاح لها ، فإن شاء جلس متربّعاً ، وإن
شاء جلس متكئاً ، وكلّ ذلك ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه
قد جاء النهي عن جلساتٍ بعينها ، فجاء النهي عن الاعتماد على اليد اليمني
وجعل اليُسرى خلف الظهر لأنها تشبه جلسة المغضوب عليهم ، فقد رأى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم – أحد الصحابة وقد وضع يده اليسرى خلف ظهره ،
واتكأ على ألية يده اليُمنى فقال له : ( أتقعد قعدة المغضوب عليهم ؟ )
رواه أبو داود .[/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=RoyalBlue]كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن
الاحتباء ، وهو أن يقعد الرجل على أليتيه وينصب ساقيه ويلفّ عليه ثوباً لا
يكون ساتراً لعورته ، وجاء النهي عنه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه أن : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اشتمال الصمّاء ، وأن
يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ، متفق عليه.[/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
[color:4508=Red]وبمثل هذه الآداب قدّم النبي – صلى الله عليه وسلم -
للناس صورة مثاليّةً في مضمونها وطبيعتها وما تحقّقه من التوازن بين
متطلّبات الدنيا وأمور الآخرة [/color][/color][/size]
[size=21][color:4508=DarkGreen]
==============================[/color][/size]
[/center]