[center][size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Sienna]إذا ذُكرت الجاهلية ، سرعان ما تقفز إلى الأذهان تلك
الصورة السوداء ، والمليئة بمشاهد الاستضعاف للطبقة العاملة والمملوكة ،
والهضم المستمر لحقوقها ، والنظرة الدونية التي يُنظر بها إلى أصحابها ،
والمواقف التي تنطق بالاحتقار والكراهية ، واعتبار أن هذه الفئة من البشر
ليست سوى آلات لم تُخلق إلا لخدمة أسيادها ، حتى أصبح الحديث عن حقوقهم
مجرّد حلم يداعب الخيال ويُنسي مرارة الحرمان .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=RoyalBlue]كان ذلك حتى أشرقت شمس الإسلام بمبعث خير الرسل –
صلى الله عليه وسلم - ، والذي جاء برسالة الهدى والحق ، والخير والعدل ،
ليعيد الحقوق إلى تلك الفئة المهضومة ، ويعيد لها اعتبارها ، من خلال
الآداب والتوجيهات التي تجلب النفع لها ، وتدفع الضر عنها .[/color] [/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=DarkOrchid]وكم كان الأثر عظيماً في نفوس من تعاملوا مع
النبي – صلى الله عليه وسلم – من العبيد ، فقد استطاع أن يأسر قلوبهم
ويملك مشاعرهم بسماحة أخلاقه وكريم شمائله ، ولننظر إلى قصّة زيد بن حارثة
رضي الله عنه مولى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد استقرّ في بيته
عليه الصلاة والسلام قبل البعثة ، وظلّ هناك يقوم على خدمته ويرعى شؤونه ،
حتى بلغت الأخبار إلى والده بوجوده عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ،
فانطلق مسرعاً إليه ، وطلب منه أن يرد ولده ، فنظر النبي عليه الصلاة
والسلام إلى زيد وقال : ( إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ) ،
ولم يطل اختيار زيد رضي الله عنه ، فلم يكن ليفضّل عليه أحداً ، فقال : بل
أقيم عندك ، فسُرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – من موقفه فقرّر أن
يتبنّاه ، وهكذا عاش زيد رضي الله عنه عيشةً هانئةً راضية ، ينسبه الناس
فيقولون : زيد بن محمد حتى أبطل الله عادة التبني ، والقصة مذكورة في معجم
الطبراني .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
والذين تشرّفوا بخدمة النبي – صلى الله عليه وسلم - من العبيد والإماء
وغيرهم من الأحرار جمعٌ كبير ، ويمكن العودة إلى كتاب " زاد المعاد "
للإمام ابن القيم لمعرفة أسمائهم ، حيث عقد فصلاً بيّن فيه أسماءهم جميعاً
.[/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Sienna]وإذا تتبعنا التوجيهات والحقوق التي قرّرها النبي –
صلى الله عليه وسلم – للموالي والخدم فسنعرف مقدار الاهتمام الذي حازته
هذه الفئة في شريعة الإسلام ، فقد جعل لهم حقّاً في المأكل والمشرب
والملبس ، ودعا عليه الصلاة والسلام إلى إشراكهم في الجلوس ، فقال في
وصيّته الشهيرة : ( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون
، وألبسوهم مما تلبسون ) رواه البخاري ، وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام
قوله : ( للمملوك طعامه وكسوته ) رواه أحمد ، وينقل لنا جابر بن عبد الله
رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يوصى بالمملوكين خيراً
ويقول : ( أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم من لبوسكم ، ولا تعذبوا خلق الله
عز وجل ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وفي المشاركة في الجلوس قال عليه
الصلاة والسلام : ( إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه ، فإن لم يقبل
فليناوله منه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=RoyalBlue]ويؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة
الإحسان إلى الخدم والعبيد ، وأن ذلك من أبواب الصدقة فيقول : ( وما أطعمت
خادمك فهو لك صدقة ) رواه أحمد ، وجاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم – فقال : عندي دينار ، فقال له : ( أنفقه على نفسك ) ، قال : عندي
آخر ، فقال له : ( أنفقه على زوجتك ) ، قال : عندي آخر ، فقال له : (
أنفقه على خادمك ، ثم أنت أبصر ) رواه البخاري في الأدب المفرد .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
ولما كان الخدم وغيرهم من الضعفاء مظنّة الهضم والظلم ، شدّد النبي – صلى
الله عليه وسلم – على تحريم أكل أموالهم أو تأخيرها فقال : ( أعطوا الأجير
أجره قبل أن يجف عرقه ) رواه ابن ماجة . [/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=DarkOrchid]وسلك النبي – صلى الله عليه وسلم – مع هؤلاء
مسلك التعليم والإرشاد ، والابتعاد عن التوبيخ والتقريع تجاه ما يصدر منهم
من هفوات بشريّة لا يسلم منها أحد ، يقول أنس رضي الله عنه : خدمت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، والله ما سبني سبة قط ، ولا قال
لي أفًّ قط ، ولا قال لي لشيء فعلته : (لم فعلته ) ، ولا لشيء لم أفعله :
( ألا فعلته ) ، رواه أحمد .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Sienna]كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن تكليف
الموالي بالأعمال فوق طاقتهم ، فقال : ( لا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن
كلفتموهم فأعينوهم ) رواه البخاري .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
وإبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية من ضرب الموالي وتعذيبهم ، نهى النبي
– صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال : ( ولا تعذبوا خلق الله عز وجل )
رواه البخاري في الأدب المفرد ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تضربوا
المسلمين ) رواه أحمد .[/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=RoyalBlue]وكان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه إذا رآهم
يعتدون على مواليهم بالضرب ، كما حصل مع أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه
حين ضرب غلاماً له ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( اعلم أبا
مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه ) ، فقال أبو مسعود رضي الله عنه : يا
رسول الله ، هو حر لوجه الله ، فقال له : ( أما لو لم تفعل لمسّتك النار )
رواه مسلم .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ضرب الموالي بغير حقٍ ذنباً يستوجب
الكفارة ، وجعل الكفارة هي العتق ، قال – صلى الله عليه وسلم - : ( من ضرب
غلاما له حداً لم يأته – أي بغير حدٍ - أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه )
رواه مسلم ، وأمر عليه الصلاة والسلام سويد بن مقرن بإعتاق خادمة له قام
بضربها ، فقيل له : ليس له خادم غيرها ، فقال : ( فليستخدموها ، فإذا
استغنوا خلوا سبيلها ) رواه البخاري في الأدب المفرد .[/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Sienna]ومن الآداب اللفظية التي جاء التنبيه عنها ، النهي
عن استخدام ألفاظٍ في حق الموالي والخدم لا تليق إلا بالله عزوجل ، فقد
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا
يقل أحدكم : أطعم ربك ، وضّئ ربك ، اسق ربك ، وليقل : سيدي ، مولاي ، ولا
يقل أحدكم : عبدي ، أمتي ، وليقل : فتاي ، وفتاتي ، وغلامي ) متفق عليه ،
والسبب في النهي أن حقيقة الربوبيّة لله تعالى ؛ فمنع المضاهاة في الاسم ،
ومثلها العبوديّة ، فالمستحقّ لها حقيقةً هو الله جلّ وعلا ، فنُهي عن ذلك
لما فيه من تعظيم لا يليق بالمخلوق .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=RoyalBlue]وفي تزويج النبي – صلى الله عليه وسلم – لعددٍ من
أصحابه الموالي رسالةٌ واضحةٌ في أن العبرة والمعوّل عليه إنما هو الدين
والخلق والتقوى ، بغضّ النظر عن المكانة الاجتماعيّة ، فقد زوّج مولاه زيد
بن حارثة بقريبته زينب بنت جحش الهاشمية رضي الله عنهما ، وزوّج أسامة بن
زيد بفاطمة ينت قيس القرشية ، فكان هذا النموذجان أسوة للأمة من بعده.[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Sienna]وكما قرّر النبي – صلى الله عليه وسلم –الحقوق ،
بيّن في المقابل الواجبات التي ينبغي على المملوك أو الخادم مراعاتها ،
فقال عليه الصلاة والسلام مذكّراً وناصحاً : ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول
عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ) رواه البخاري .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
[color:c1df=Red]وهكذا حيثما قلّبت النظر في سيرة النبي – صلى الله عليه
وسلم – تجد الكمال في الأخلاق ، والعدل في الأحكام ، والحلم في التعامل ،
فصلوات الله وسلامه عليه .[/color][/color][/size]
[size=21][color:c1df=DarkGreen]
==============================[/color][/size]
[/center]